Thursday, October 18, 2012

خمسة أسباب تجعل "شربات لوز" العمل الأفضل في رمضان



نشر المقال في جريدة القاهرة بتاريخ 28 أغسطس 2012

لا يوجد شك في أن موسم الدراما التلفزيونية الرمضاني لهذا العام كان موسما استثنائيا لم يحدث من قبل ومن الصعب جدا أن يتكرر من جديد. فمن غير المتوقع أن تتزامن الظروف العامة مع رغبات النجوم مرة أخرى لنجد موسما يشارك بأعمال فيه نجوم الشباك السينمائي الشباب كأحمد السقا وكريم عبد العزيز ومحمد سعد وخالد النبوي وهند صبري، مع النجوم الكبار العائدين للشاشة الصغيرة بعد غياب كعادل إمام ومحمود عبد العزيز، مع كبار نجوم الدراما الرمضانية دائمي التواجد كنور الشريف ويحيى الفخراني ويسرا، بالإضافة إلى عدد من التجارب الشابة المعتمدة على البطولة الجماعية. كل هؤلاء توجهوا للدراما التلفزيونية لأسباب مختلفة لسنا بصدد طرحها هنا، ولكن النتيجة هي تزامن تواجدهم بصورة غير مسبوقة جعلت من العسير جدا على الجميع التفضيل بين المسلسلات واختيار العمل الأجدر بالمتابعة.

ومن بين هذا الكم الضخم من المسلسلات المتباينة الجودة والجماهيرية وحجم الإنتاج يمكنني بضمير مرتاح أن أختار مسلسل "شربات لوز" للمخرج خالد مرعي والمؤلف تامر حبيب والنجمة يسرا ليكون العمل الأفضل في رمضان 2012، وذلك لخمسة أسباب جعلت منه ذلك العمل المميز والممتع، وإليكم هذه الأسباب..

أولا: الظلال العكاشية

يحمل مسلسل "شربات لوز" تماسا ملحوظا مع أعمال الأب الروحي للدراما التلفزيونية المصرية أسامة أنور عكاشة، وهو أمر لن يلمسه إلا محبي المسلسلات العكاشية المخلصين الواعين بالتقنيات الدرامية التي اعتاد الراحل الكبير استخدامها. فأسامة أنور عكاشة اعتاد في الكثير من أعماله أن يختار مسرحا مزدوجا للأحداث عبارة عن مكانين مختلفين يتباينان في المستوى الاقتصادي والاجتماعي وفي الأخلاقيات والقواعد الحاكمة لكل منهما، يمثل كل منهما نقطة الارتكاز لمجموعة من البشر، على أن تتولد الدراما وتتصاعد عبر مد جسور الصلة بين هذين المكانين من خلال شخصية تجعلها ظروف استثنائية مفتاحا للعلاقة بين أبناء المكانين ودافعا للمقارنات التي يعقدها المشاهد تلقائيا بين العالمين.

وإذا كان هذا القالب الدرامي قد قامت عليه معظم أعمال عكاشة وعلى رأسها خماسية "ليالي الحلمية" التي كان الحدث المفجر لها هو قيام الباشا سليم البدري ابن منطقة جاردن سيتي الأرستقراطية بالزواج من سيدة من حي الحلمية الشعبي لتبدأ رحلة درامية للبحث عن تأثير الزمن في البشر، وكذلك "زيزينيا" ببطلها بشر عامر عبد الظاهر الذي تحمل عروقه دماءا مختلطة بين أمه الإيطالية ووالده المعلم السكندري في دراما التفتيش عن الهوية المصرية، فإن المؤلف الموهوب تامر حبيب قد استخدم نفس القالب بصورة تحاول صبغه بروح العصر.

فالدراما في "شربات لوز" تدور بين عالمين متناقضين تماما الأول هو عالم حي حلوان الشعبي الذي تنتمي إليه عاملة التطريز شربات (يسرا) والثاني هو عالم القصور والملايين المتمثل في عائلة مصمم الأزياء العجوز حكيمو (سمير غانم)، وهما العالمين اللذان تدفعهما الظروف إلى التحول من وضع السيد والخادم إلى وضع الند بالند عندما يقوم حكيمو بالزواج من شربات بعد تصعيد درامي أجاد المؤلف رسمه ليأتي بشكل منطقي تماما. ومن هذا القالب العكاشي تنطلق رحلة لرصد الأخلاقيات الجديدة المسيطرة على المجتمع المصري من قمته وحتى أدنى درجات السلم الاجتماعي.

والفارق الوحيد بين توظيف تامر حبيب للقالب الدرامي وبين استخدام الراحل الكبير له هو أن عكاشة كان يختار دائما أن تكون نقطة انطلاق الأحداث تالية لوقوع الحدث الجامع بين العالمين، بينما اختار مؤلف "شربات لوز" أن يقدم عدة حلقات تمهيدية سابقة للحدث، ربما ليكون المشاهد قادرا على فهم طبيعة العلاقات المركبة التي تجمع بين شخصيات المسلسل، أو لكي يقدم المبررات الدرامية الكافية التي تجعلنا نتفهم وصول الأحداث لنقاط قد تبدو للوهلة الأولى غير منطقية وعلى رأسها زواج شربات وحكيمو نفسه.

ثانيا: اللاأخلاقية

سبب آخر يدعو لاعتبار المسلسل عملا مختلفا عن السائد في الدراما المصرية بشكل عام ولن أقول التلفزيونية فقط هو ذلك الاستخدام الذكي للشخصيات اللاأخلاقية، فإذا كانت الدراما المصرية اعتادت بشكل عام على الوجود الدائم لشخصيات مثالية تمثل القيم الأخلاقية سواء كناصح أمين يرشد من حوله للصواب أو كبرئ يعاني من الظلم الشديد، أو حتى كمجموعة ضابطة يتم من خلالها تقييم باقي الشخصيات السيئة، فإن تامر حبيب اختار أن يحطم هذا التوازن التقليدي ويخرج لنا بعمل شخصيات بالكامل مليئة بالعيوب والكوارث الأخلاقية.

لا أقول بذلك أن المسلسل يدعو للسلبية أو يعادي الأخلاق بل إنه على العكس تماما يعلي من قيمة التماسك الأسري والصدق في العلاقات الإنسانية، ولكنه ينتهج طريقة غير معتادة لتحقيق ذلك عبر دفع المشاهد للاقتراب والتفاعل مع شخصيات من لحم ودم تمتلك عيوبا صارخة، ليجد نفسه غير قادر على تجاهل التعاطف مع إنسانيتهم برغم عيوبهم، مع عدم تجميل هذه العيوب أو اعتبارها أمرا يحتذى به. وكأن المسلسل يدفعنا دفعا نحو احترام حقيقة النفس البشرية التي لا يمكن أن تخلو من العيوب ولا يمكن أن تكون بلا مميزات.

ثالثا: كسر القواعد المحفوظة

وإذا كانت السببين الماضيين يرجع الفضل فيهما للمؤلف تامر حبيب فإن الفضل يعود في السبب الثالث لبطلة المسلسل النجمة يسرا ومخرجه خالد مرعي. ويسرا هي أحد الأرقام الثابتة في الدراما التلفزيونية نادرا ما يمر رمضان دون أن نشاهد عملا جديدا لها، وكثيرا ما وقعت في الخطايا التي يرتكبها نجوم المسلسلات بالسيطرة الكاملة على معظم زمن العرض والظهور الدائم على الشاشة وجعل كل الشخصيات مجرد أدوات لتلميع النجم وتوضيح مدى روعته وحكمته وذكاءه وأخلاقه.

هذه المرة نشاهد يسرا في ثوب جديد تماما كممثلة محترفة تلعب دورا كباقي الأدوار يجمع كأي شخصية طبيعية بين العيوب والمميزات، لتبدو كنجمة تعلم جيدا أن ظهورها وحدها لن يضيف لها شيئا ولكن تألقها وسط مجموعة من الممثلين الجيدين أصحاب الأدوار المؤثرة  سيجعل الجميع يعجب بها مرتين: مرة لتفوقها في دورها المحوري ومرة لسماحها بظهور هذا العدد الكبير من الموهوبين حولها. لذلك فلم أملك إلا أن أحترم يسرا أكثر في كل مرة تنتهي إحدى حلقات المسلسل وأعيد تذكر أحداثها فأجد النجمة الكبيرة قد ظهرت في مشهدين أو ثلاثة فقط طوال الحلقة، لأن العبرة لم تكن أبدا بالكم، ومن الذكاء أن يظهر النجم في مشهد وحيد مؤثر في دراما متماسكة فيتذكره الجميع، خير له من أن يطل علينا طوال الشهر في دراما مترهلة تنسى بمجرد انتهاءها.

رابعا: العلاقات الفريدة

وهي مساحة الكتابة التي تميز تامر حبيب فيها منذ عمله الأول "سهر الليالي"، فهو قادر دائما على نسج علاقات إنسانية مغايرة لكل ما شاهدناه من قبل، علاقات تحمل في طياتها فهما رقيقا لأشياء كالحب والصداقة والأبوة التي نعلم جميعا أنها أكثر عمقا وتعقيدا بكثير من الصور النمطية التي اعتاد صناع السينما والدرامة تقديمها لنا.
والعلاقة الثلاثية بين شربات وبين جارها محمد الصناديلي (سامي مغاوري) وزوجته مهجة (عايدة رياض) صورة مثالية لما أقوله، فالرجل يحب جارته حبا عذريا لم يتوج بالزواج، وهي تدرك ذلك وتجيد استغلاله بدرجة ما دون أن تفقد احترامها له، وزوجته تدرك الأمر أيضا بل وتستعين بشربات عندما ترغب في إسعاد زوجها، كل هذا في إطار من الحميمية والطرافة لا يخرج أبدا عن حيز المنطق. قس على ذلك معظم العلاقات المركبة التي تربط شخصيات المسلسل ببعضها والتي تدفعك دفعا نحو إعادة التفكير في بعض علاقاتك بمن حولك.

خامسا: الدماء الجديدة

السبب الأخير لتميز "شربات لوز" هو هذا القدر الكبير من الدماء الجديدة التي يضخها لشرايين الدراما المصرية، والمتمثلة في مجموعة كبيرة من الممثلين الموهوبين صغار السن سواء الذين شاهدناهم من قبل وتمكنوا من إثبات مواهبهم كمحمد فراج ونسرين أمين ومحمد شاهين وأحمد داوود ومحمد سلام، أو الذين لمعت وجوههم للمرة الأولى كريهام حجاج وأمينة خليل وياسمين كساب وأحمد صلاح حسني.

الدماء الجديدة لا تقتصر على الشباب فقط، بل يمكن اعتبار عودة النجم القدير سمير غانم للشاشة بعد غياب طويل ليلعب دورا لا يُنسى هي الأخرى نوعا من ضخ الدماء لصناعة تتحرك دائما نحو المزيد من التقولب والدوران في فلك عدد محدود من الأسماء التي يتم ترشيحها لكل الأدوار. لتكون النتيجة النهائية هي مسلسل ممتع ينتهج قالبا محبوبا بطريقة حديثة، ويعد خطوة مهمة في مشوار كل من شارك فيه سواء من الممثلين الصاعدين أو حتى من النجوم الكبار. 

No comments:

Post a Comment