Wednesday, October 17, 2012

عن الأموال المهدرة والشهر الكريم نتحدث



نشر المقال في جريدة بالعربي اللندنية عدد أغسطس 2012

أكتب هذا المقال قبل أيام قليلة من بدء شهر رمضان المبارك، وأعلم أنه لن يتم نشره إلا بعد اقتراب الشهر من الانتصاف. وذكري لتاريخ كتابة المقال أمر شديد الأهمية للتأكيد على أن موقفي بعيد تماما عن أي مقاييس فنية للعدد الكبير من المسلسلات المعروضة خلال الشهر الذي يرتبط تاريخيا بالدراما التلفزيونية المصرية التي قدمت على مدار عقود أفضل أعمالها خلاله، ولكنه موقف عام ينطلق من قناعة كاملة بقيمة الفن كصناعة اقتصادية وثقافية.

فجأة وبدون مقدمات انطلقت حملة ضخمة يحركها التيار الديني لتحارب صناعة المسلسلات الرمضانية، وضغط على جميع الأصعدة الإدارية والشعبية لإقناع الناس برسالة من شقين: أن هذه الأعمال تدخل في نطاق الأمور المحرمة التي لا تتلائم مع الشهر الفضيل، وأن الملايين قد أنفقت على صناعتها بينما يعاني أغلبية الشعب من الفقر. وخرج شيخ أحمق يدعى برهامي يتحدث عن مشاعره التي جرحت عندما شاهد إعلانات المسلسلات التي شاهدها ـ كما أكد ـ رغما عنه!

الشيخ الجليل ومن وراءه يرون أن صناع المسلسلات يتعاملون مع رمضان باعتباره موسم عرض مثالي لجني أضخم أرباح وهي حقيقة، لكنه يتناسى أن شيوخ الفضائيات هم أول المستفيدين من هذا الموسم، فبرامجهم تتضاعف ويقدمون منها نسخا خاصة بالشهر الفضيل تزيد فيها بالطبع أجورهم الباهظة من الأساس، وتروج في نفس الوقت لوجوههم كي يزيد طلب شركات السياحة عليهم لمرافقة رحلات العمرة مقابل مبالغ إضافية. عزيزي برهامي.. بإمكانك دائما أن تغلق التلفزيون أو تلغي كل القنوات الفاسقة لحماية نفسك من مشاهدة المسلسلات "رغما عنك"، لكن صدقني حين أقول أن محاولة  إخلاء الساحة ستؤدي لفشلكم، لأن عملكم آت من التراث التلفزيوني للشهر الذي صنعته الدراما، والمصريون جميعا يذكرون حسن أرابيسك وسليم البدري أكثر مائة مرة من ذكرهم للدروس الدينية العظيمة التي أذيعت في نفس الأعوام.

الشق الثاني من التهمة والمتعلق بالمال المهدر هو الأكثر تهافتا وضحالة، فمن يطرح الأمر يفترض أن هذه الأموال قد انتزعت من جيوب البسطاء لتدخل جيوب الفنانين، بينما الواقع الفعلي أنها أموال منتجي القطاع الخاص الذين ينفقون على صناعة الدراما بشكل اقتصادي تماما وهم يعلمون أن الأموال ستعود إليهم أكثر مما كانت. أي أنه استثمار حقيقي يدير رأس المال ليخرج منتجا ملموسا يربح فيه كل الأطراف: المنتج والقنوات بالمال، وآلاف العاملين بعدم التبطل، وملايين المشاهدين بالاستمتاع. أما إذا كنا حقا نتحدث عن المال المنهوب من جيوب الفقراء ليدخل خزائن الأثرياء فمن الأولى أن نطرح التساؤل الذي لا يجرؤ أحد على طرحه: أين ذهب الملايين التي جمعها الشيخ الفاضل محمد حسان بعد أن دفع الفقراء والمساكين لاقتطاعها من أقوات أبناءهم بحجة جمع المعونة الأمريكية؟ هل عادت هذه الأموال لأصحابها الذين يحتاجونها حقا أم أن الشيخ اكتفى بعملية الجمع وتغاضى عن التسليم؟ 


No comments:

Post a Comment